المادة    
قَالَ المُصنِّفُ -رَحِمَهُ اللهُ-:
[وأما من قال إنه معنىً واحد، واستدل عليه بقول الأخطل:
إنَّ الكلامَ لفِي الفؤادِ وإنَّما            جُعْلِ اللسانُ عَلَى الفؤادِ دليلاً
فاستدلال فاسد، ولو استدل مستدل بحديث في الصحيحين لقالوا: هذا خبر واحد، ويكون مما اتفق العلماء عَلَى تصديقه وتلقيه بالقبول والعمل به.
فكيف وهذا البيت قد قيل: إنه موضوع منسوب إِلَى الأخطل وليس هو في ديوانه.
وقيل: إنما قَالَ: " إن البيان لفي الفؤاد"، وهذا أقرب إِلَى الصحة.
وعلى تقدير صحته عنه فلا يجوز الاستدلال به، فإن النَّصارَى قد ضلوا في معنى الكلام وزعموا أن عيسى عَلَيْهِ السَّلام نفس كلمة الله، واتحد اللاهوت بالناسوت أي شيء من الإله بشيء من الناس؛ أفيستدل بقول نصراني قد ضل في معنى الكلام ويترك ما يعلم من معنى الكلام في لغة العرب؟!
وأيضاً: فمعناه غير صحيح إذ لازمه أن الأخرس يسمى متكلماً لقيام الكلام بقلبه، وإن لم ينطق به، ولم يسمع منه، والكلام عَلَى ذلك مبسوط في موضعه، وإنما أشير إليه إشارة.
وهنا معنى عجيب وهو أن هذا القول له شبهٌ قويٌ بقول النَّصارَى القائلين باللاهوت والناسوت، فإنهم يقولون: كلام الله هو المعنى القائم بذات الله الذي لا يمكن سماعه، وأما النظم المسموع فمخلوق، فإفهام المعنى القديم بالنظم المخلوق يشبه امتزاج اللاهوت بالناسوت الذي قالته النَّصارَى في عيسى عَلَيْهِ السَّلام، فانظر إِلَى هذا الشبه ما أعجبه] إهـ.

الشرح:
استدل الذين يقولون: بأن كلام الله هو الكلام النفسي، بأن القُرْآن المتلو والمحفوظ والمسموع والمقروء الذي بين أيدينا في المصاحف مخلوق، وأن الكلام الذي هو صفة الله هو المعنى القائم في نفسه -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- ومن جملة الشبهات التي أوردوها: عَلَى ذلك البيت المنسوب إِلَى الأخطل وهو:
إنَّ الكلامَ لفِي الفؤادِ وإنَّما             جُعْلِ اللسانُ عَلَى الفؤادِ دليلاً
يقولون: إن هذا الشاعر يعبر ويشرح معنى الكلام ويقول: إن الكلام لفي الفؤاد، فالكلام في الحقيقة هو ما في النفس، أي: ما يقوله الفؤاد وما يقوم في القلب من المعنى، وأما اللسان فإنما هو مُعبِرٌ عمَّا في الفؤاد فقط، ولذلك فهم عندما يقولون: إن القُرْآن ليس هو كلام الله عَزَّ وَجَلَّ، وإنما هو عبارة أو حكاية عن كلام الله، فإن هذا المعنى صحيح؛ لأنه يتفق مع هذا البيت، وقد أخذ العلماء في رد هذا القول من عدة أوجه كما ذكر المُصنِّفُ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- هنا جملة من ذلك.
  1. الوجه الأول : أن البيت مصنوع

  2. الوجه الثاني : ورود البيت برواية أخرى

  3. الوجه الثالث : أن الأخطل نصراني ولا يستدل بقوله

  4. الوجه الرابع : أن معنى البيت غير صحيح

  5. الاستدلال بخبر الآحاد والرد عليهم